فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

اعلم أن الحروف لا أَصْلَ لها في العمل، لكن الحروف أشبه الفعل صورة ومعنى، فاقتضى كونه عاملًا.
أما المُشَابهة في اللفظ فلأنه تركّب من ثلاثة أحرف انفتح آخرها، ولزمت الأسماء كالأفعال، وتدخل نون الوقاية نحو إنّني وكأنّني كما تدخل على الفعل نحو: أعطاني وأكرمني، وأما المعنى فلأنه يفيد معنى في الاسم، فلما اشبهت الأفعال وجب أن تشبهها في العمل.
روى ابن الأنباري أن الكِنْدِيّ المتفلسف ركب إلى المبرد وقال: إني أجد في كلام العرب حشوًا، أجد العرب تقول: عبد الله قائم، ثم يقولون: إنَّ عبد الله قائم ثم يقولون: إنَّ عبد الله لقائم.
فقال المبرد: بل المعاني مختلفة لاختلاف الألفاظ: فقولهم: عبد الله قائم إخبار عن قيامه، وقولهم: إن عبد الله قائم جواب عن سؤال سائل، وقولهم: إن عبد الله لقائم جواب عن إنكار منكر لقيامه.
واحتج عبد القاهر على صحّة قوله: بأنها إنما تذكر جوابًا لسؤال سائلٍ بقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي القرنين} [الكهف: 83] إلى أن قال: {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ} [الكهف: 84]، وقوله: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بالحق إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ} [الكهف: 13]، وقوله: {فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي برياء} [الشعراء: 216].
قال عبد القاهر: والتحقيق أنّها للتأكيد، فإذا كان الخبر ليس يظنّ المخاطب خلافه لم يحتج إلى أن، وإنما يحتاج إليها إذا ظنّ السامع الخلاف، فأما دخوله اللاّم معها في جواب المنكر، فلأن الحاجة إلى التأكيد أشد.
فإن قيل: فلم لا دخلت اللام في خبرها في قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القيامة تُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 16]، وأدخل اللام في خبرها في قوله قبل ذلك: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلك لَمَيِّتُونَ} [المؤمنون: 15]، وهم كانوا يتيقنون الموت، فلا حاجة إلى التأكيد، فكانوا ينكرون البعث فكانت الحاجة لدخول اللام على البعث أشد ليفيد التأكيد.
فالجواب: أن التأكيد حصل أولًا بقوله: {خَلَقْنَا الإنسان مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النطفة عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العلقة مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المضغة عِظَامًا فَكَسَوْنَا العظام لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين} [المؤمنون: 12- 14].
فكان ذكر هذه السبع مراتب في خلق الإنسان أبلغُ في التأكيد من دخول اللام على خبر إن، وهي تنصب الاسم، وترفع الخبر خلافًا للكوفيين بأن رفعه بما كان قبل دخولها.
وتقرير الأول أنها لما صارت عاملة فإما أن ترفع المبتدأ أو الخبر معًا، وتنصبهما معًا، أو ترفع المبتدأ وتنصب الخبر أو بالعكس والأول باطل؛ لأنهما كانا مرفوعين قبل دخولهما، فلم يظهر للعمل أثر البتة، ولأنها أعطيت عمل الفعل، والفعل لا يرفع الاسمين، فلا معنى للاشتراك، والفرع لا يكون أقوى من الأصل.
والثاني- أيضًا- باطل، لأنه مخالف لعمل الفِعْل، لأن الفعل لا ينصب شيئًا مع خُلوه عما يرفعه.
والثالث- أيضًا- باطل لأنه يؤدي إلى التسوية بين الأصل والفرع؛ لن الفعل يعمل في الفاعل أولًا بالرفع؛ ثم في المفعول بالنصب، فلو جعل الحرف هاهنا كذلك لحصلت التسوية بين الأصل والفرع.
ولما بطلت الأقسام الثلاثة تعيّن الرابع، وهي أنها تنصب الاسم، وترفع الخبر، وهذا مما ينبّه على أن هذه الحروف لَيْسَتْ أصلية في العمل؛ لأنّ تقديم المنصوب على المرفوع في باب الفعل عدول عن الأصل.
وتخفّف إن فتعمل وتهمل، ويجوز فيها أن تباشر الأفعال، لكن النواسخ غالبًا تختص بدخول لام الابتداء في خبرها، أو معمولة المقدم عليها، أو اسمها المؤخّر، ولا يتقدم خبرها إلا ظرفًا أو مجرورًا، وتختص- أيضًا- بالعَطْفِ على محل اسمها، ولها ولأخواتها أحكام كثيرة.
و{الذين} اسمها و{كفروا} صلة وعائد، و{لا يؤمنون} خبرها، وما بينهما اعتراض، و{سواء} مبتدأ، و{أنذرتهم} وما بعده في قوة التَّأويل بمفرد هو الخبر، والتقدير: سواء عليهم الإنذار وعدمه، ولم يحتج هنا إلى رَابِطٍ؛ لأنّ الجملة نفس المبتدأ، ويجوز أن يكون {سواء} خبرًا مقدمًا، و{أنذرتهم} بالتأويل المذكور مبتدأ مؤخر تقديره: الإنذار وعدمه سواء.
قال ابنُ الخَطِيبِ: اتفقوا على أنّ الفِعل لا يخبر عنه؛ لأن قوله: خرج ضرب ليس بكلام منتظم، وقد قدحوا فيه بوجوه:
أحدها: أنَّ قوله: {أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} فعل، وقد أخبر عنه بقوله: {سَوَاءٌ عَلِيْهِمْ} ونظيره {ثُمَ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوا الآيَات لَّيَسْجُنُنَّهُ} فاعل {بَدَا} هو يسجننه.
وثانيها: أن المخبر عنه بأنه فعل لابد وأن يكون فعلًا، فالفعل قد أخبر عنه بأنه فعل.
فإن قيل: المخبر عنه بأنه فعل لابد وأن يكن فعلًا، فالفعل قد أخبر عنه بأنه فعل.
فإن قيل: المخبر عنه بأنه فعل هو تلك الكلمة، وتلك الكلمة اسم.
قلنا: فعلى هذا المخبر عنه بأنه فعل إذا لم يكن فعلًا بل اسمًا كان هذا الخبر كذبًا؛ والتحقيق أن المخبر عنه بأنه فعل إما أن يكون اسمًا أو لا يكون، فإن كان الأول كان هذا الخبر كذبًا؛ لأن الاسم لا يكون فعلًا، وإن كان فعلًا فقد صار الفعل مخبرًا عنه.
وثالثها: أنا إذا قلنا: الفعل لا يخبر عنه، فقد أخبرنا عنه بأنه لا يخبر عنه، والمخبر عنه بهذا الخبر لو كان اسمًا لزم أَنَّا قد أخبرنا عن الاسم بأنه لا يخبر عنه، وهذا خطأ، وإن كان فعلًا صار الفعل مخبرًا عنه.
ثم قال هؤلاء: لما ثبت أنه لا امتناع في الإخبار عن الفعل لم يكن بنا حاجةٌ إلى ترك الظاهر.
أما جمهور النحويين فقالوا: لا يجوز الإخبار عن الفعل، فلا جرم كان التقدير: سواء عليهم إنذارك وعدمه.
وهذه الجملة يجوز أن تكون معترضة بين اسم {إن} وخبرها، وهو {لا يؤمنون} كما تقدم، ويجوز أن تكون هي نفسها خبرًا ل {إن} وجملة {لا يؤمنون} في محل نصب على الحال، أو مستأنفة، أو تكون دعاءً عليهم بعد الإيمان- وهو بعيد- أو تكون خبرًا بعد خبر على رأي من يجوز ذلك.
ويجوز أن يكون {سواء} وحده خبر {إن} و{أأنذرتهم} وما بعده بالتأويل المذكور في محل رفع بأنه فاعل له، والتقدير: استوى عندهم الإنذار وعدمه.
و{لا يؤمنون} على ما تقدّم من الأوجه أعني: الحال والاستئناف والدعاء والخبرية.
والهمزة في {أأنذرتهم} الأصل فيها الاستفهام، وهو- هنا- غير مراد، إذ المراد التسوية، و{أنذرتهم} فعل وفاعل ومفعول.
و{أم}- هنا- عاطفة وتسمى متصلةً، ولكونها متصلة شرطان:
أحدهما: أن يتقدمها همزة استفهام أو تسوية لفظًا أو تقديرًا.
والثاني: أن يكون ما بعدها مفردًا أو مؤولًا بمفرد كهذه الآية، فإن الجملة فيها بتأويل مفرد كما تقدم، وجوابها أحد الشِّيئين أو الأشياء، ولا تجاب بنعم ولا بلا، فإن فقد الشرط سميت منقطعة ومنفصلة، وتقدر ببل والهمزة، وجوابها نعم أو لا ولها أحكام أخر.
و{لم} حرف جزم معناه نفي الماضي مطلقًا خلافًا لمن خصَّها بالماضي المنقطع، ويدلّ على ذلك قوله تعالى: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائكَ رَبِّ شَقِيًّا} [مريم: 4] {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص: 3].
وهذا لا يتصور فيه الانقطاع، وهي من خواصّ صيغ المضارع إلاّ أنها تجعله ماضيًا في المعنى كما تقدم.
وهل قلبت اللفظ دون المعنى أو المعنى دون اللفظ؟
قولان: أظهرهما الثاني: وقد يحذف مجزومها كقوله: الكامل:
احْفَظْ وَدِيعَتَك الَّتِي اسْتُودِعْتَهَا ** يَوْمَ الأَعَازِبِ إِنْ وَصَلْتَ وإِنْ لَمِ

والكفر أصله: الستر؛ ومنه: الليل الكَافِرُ؛ قال: الرجز:
فَوَرَدَتْ قَبْلَ انْبِلاَجِ الفَجْرِ ** وَابْنُ ذُكَاءٍ كَامِنٌ فِي كَفْرِ

وقال الكامل:
فَتَذَكَّرَا ثَقَلًا رَثِيدًا بَعْدَمَا ** أَلْقَتْ ذُكَاءُ يَمِينَهَا فِي كَافِرِ

والكفر- هنا- الجحود.
وقال آخر: الكامل:
فِي لَيْلَةٍ كَفَرَ النُّجُومَ غَمَامُهَا

قال أبو العباس المقرئ: ورد لفظ الكفر في القرآن على أربعة أَضْرُبٍ:
الأول: الكُفْر بمعنى ستر التوحيد وتغطيته قال تعالى: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ}؟
الثاني: بمعنى الجُحُود قال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ} [البقرة: 89].
الثالث: بمعنى كفر النّعمة، قال تعالى: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ} [إبراهيم: 7] أي: بالنعمة، ومثله: {واشكروا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152] وقال تعالى: {أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} [النمل: 40].
الرابع: البراءة، قال تعالى: {إِنَّا بُرَءاؤاْ مِّنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله كَفَرْنَا بِكُمْ} [الممتحنة: 4] أي: تبرأنا منكم، وقوله: {ثُمَّ يَوْمَ القيامة يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ} [العنكبوت: 25].
و{سواء} اسم معنى الاستواء، فهو اسم مصدر، ويوصف على أنه بمعنى مستوٍ، فيحتمل حينئذٍ ضميرًا، ويرفع الظاهر، ومنه قولهم: مررت برجل سواء والعدم برفع العدم على أنه معطوفٌ على الضمير المستكنّ في سواء، وشذ عدم بمعنى: مثل، تقول: هما سِيّان بمعنى: مِثْلان، قال: البسيط:
مَنْ يَفْعَلِ الْحَسَنَاتِ اللهُ يَشْكُرُهَا ** وَالشَّرُّ بِالشَّرِّ عِنْدَ اللهِ سِيَّانِ

على أنه قد حكي سواءان.
وقال الشاعر: الطويل:
وَلَيْلٌ تَقُولُ النَّاسُ فِي ظُلُماتهِ ** سَوَاءٌ صَحِيحَاتً العُيُونِ وَعُورُهَا

ف {سواء} خبر عن جمع هو صحيحات، وأصله: العدل؛ قال زهير: الوافر:
أَرُونَا سُبَّةً لا عَيْبَ فِيهَا ** يُسَوِّي بِيْنَنَا فِيهَا السَّوَاءُ

أي: يعدل بيننا العدل.
وليس هو الظرف الذي يستثنى به في قولك: قاموا سواء زيد وإن شاركه لفظًا.
ونقل ابن عطية عن الفارسي فيه اللغات الأربع المشهورة في سوى المستثنى به، وهذا عجيب فإن هذه اللغات في الظرف لا في سواء الذي بمعنى الاستواء.
وأكثر ما تجيئ بعده الجملة المصدرية بالهمزة المُعَادلة بأم كهذه الآية، وقد تحذف للدلالة كقوله تعالى: {فاصبروا أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ} [الطور: 16] أي: أصبرتم أم لم تصبروا، وقد يليه اسم الاستفهام معمولًا لما بعده كقول علقمة: الطويل:
سَوَاءٌ عَلَيْهِ أَيَّ حِينٍ أَتَيْتَهُ ** أَسَاعَةَ نَحْسٍ تُتَّقَى أَمْ بأَسْعَدِ

فأي حين منصوب بأتيته، وقد يعرى عن الاستفهام، وهو الأصل؛ نحو: الطويل:
سَوَاءٌ صَحِيْحاتُ العُيُونِ وَعُورُهَا

فصل في استعمالات سواء:
وقد ورد لفظ {سواء} على وجوه:
الأول: بمعنى: الاستواء كهذه الآية.
الثاني: بمعنى: العَدْل، قال تعالى: {إلى كَلَمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران: 64] أي: عدل؛ ومثله: {سَوَاءَ السبيل} [الممتحنة: 1] أي: عدل الطريق.
الثالث: بمعنى: وسط، قال تعالى: {فِي سَوَاءِ الجحيم} [الصافات: 55] أي: وسط الجحيم.
الرابع: بمعنى: البَيَان؛ قال تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فانبذ إِلَيْهِمْ على سَوَاءٍ} [الأنفال: 58] أي: على بيان.
الخامس: بمعنى: شرع، قال تعالى: {وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: 89] يعني: شرعًا.
السادس: بمعنى: قصد، قال تعالى: {عسى ربي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السبيل} [القصص: 22] أي: قصد الطريق.
والإنذار: التخويف.
وقال بعضهم: هو الإبلاغ، ولا يكاد يكون إلاَّ في تخويف يسع زمانه الاحتراز، فإن لم يسع زمانه الاحتراز، فهو إشعار لا إنذار؛ قال: الكامل:
أَنْذَرْتُ عَمْرًا وَهُوَ فِي مَهَلٍ ** قَبْلَ الصَّبَاحِ فقَدْ عَصَى عَمْرُو

ويتعدّى لاثنين، قال تعالى: {إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا} [النبأ: 40]، {أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً} [فصلت: 13] فيكون الثاني في هذه الآية محذوفًا تقديره: أأنذرتهم العذاب أم لم تنذروهم إياه، والأحسن ألا يقدر له مفعول، كما تقدم في نظائره.
والهمزة في أنذر للتعدية، وقد تقدّم أن معنى الاستفهام هنا غير مراد؛ لأن التسوية هنا غير مرادة.
فقال ابن عَطيَّةَ: لفظه لفظ الاستفهام، ومعناه الخبر، وإنما جرى عليه لفظ الاستفهام؛ لأنَّ فيه التسوية التي هي الاسْتِفْهَام، ألا ترى أنك إذا قلت مخبرًا: سواء علي أَقُمْت أم قعدت، وإذا قلت مستفهمًا: أخرج زيد أم قام؟ فقد استوى الأمران عندك؟ هذان في الخبر، وهذان في الاستفهام، وعدم علم أحدهما بعينه، فلما عمتهما التسوية جرى على الخبر لفظ الاستفهام؛ لمشاركته إيَّاه في الإبهام، فكلّ استفهام تسوية وإن لم تكن كل تسوية استفهامًا، إلاَّ أن بعضهم ناقشه في قوله: {أأنذرتهم أم لم تنذرهم} لفظه لفظ الاستفهام، ومعناه الخبر بما معناه: أن هذا الذي صورته صورة استفهام ليس معناه الخبر؛ لأنه مقدر بالمفرد كما تقدم، وعلى هاذ فليس هو وحده في معنى الخبر؛ لأن الخبر جملة، وهذا تأويل مفرد، وهي مناقشة لفظية.
وروي الوقف على قوله: {أَمْ لَمْ تُنْذِرْ} والابتداء بقوله: {هُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} على أنها جملة من مبتدأ وخبر.
وهذا ينبغي ألا يلتفت إليه، وإنْ كان قد نقله الهُذَلِيّ في الوقف والابتداء له.
وقرئ: {أأنذرتهم} بهمزتين محقّقتين بينهما ألف، وبهمزتين، محقّقتين بلا ألف بينهما وهي لغة بني تميم، وأن تكون الأولى قوية، والألف بينهما، وتخفيف الثانية بين بين، وهي لغة الحجاز وبتقوية الهمزة الأولى، وتخفيف الثانية، وبينهما ألف.
فمن إدخال الألف بين الهمزتين تخفيفًا وتحقيقًا قوله: الطويل:
أَيَا ظَبْيَةَ الوَعْسَاءِ بَيْنَ جُلاَجِلٍ ** وَبَيْنَ النَّقَا آأَنْتَ أَمْ أُمُّ سَالِمِ

وقال آخر: الطويل:
تَطَالَلْتُ فَاسْتَشْرَفْتُهُ فَعَرَفْتُهُ ** فَقُلْتُ لَهُ آأَنْتَ زَيْدُ الأَرَانِبِ

وروي عن وَرْش إبدال الثَّانية ألفًا محضة.
ونسب الزمخشري هذه القراءة لِلَّحْنِ، قال: إنما هو بَيْنَ بَيْنَ.
وهذا منه ليس بصواب، لثبوت هذه القراءة تواترًا.
وقرأ ابن محيصن بهمزة واحدةٍ على لفظ الخبر، وهمزة الاستفهام مرتدة، ولكن حذفها تخفيفًا، وفي الكلام ما يدلّ عليها، وهو قوله: {أم لم}؛ لأن {أم} تُعَادل الهمزة، وللقراء في مثل هذه الآية تفصيل كثير. اهـ.